ما معنى أن تكون مثقفًا؟ إبراهيم الحكيمي
السبت 7 ابريل 2018 الساعة 15:39
الميناء نيوز- خاص
ما معنى أن تكون مثقفًا؟
إبراهيم الحكيمي
الثقافة.. بعد أن صار هذا المصطلح موضة يتفاخر به المتفاخرون، أصبح من الضرورة باعتقادي أن نوضح باختصار وبقدر الاستطاعة ما يترتب على من يتصف بصفة "المثقف" من واجبات ومسؤوليات.
يقول الكاتب الروسي "أنطون تشيخوف" (كلما ازدادت ثقافة المرْء، ازداد بؤسه وشقاؤه).
وقد ترمي هذه المقولة الكثيرين في جُبّ الاستغراب والتعجّب، إذ كيف يكون ذلك وهم لطالما اعتبروا صفة "المثقف" مَدعاة للفخر ووسيلة للتشريف والتمييز! .. في حين أنها في الحقيقة تكليف ومسؤولية وعبء يؤدي حقّها فقط أولئك النُّبلاء الذي يُسخّرون كل ما لديهم لخدمة الآخرين وإنقاذهم..
في كتابه "مسؤولية المثقف" يقارن الدكتور علي شريعتي عمل المثقف في مجتمعه بعمل الأنبياء والرُّسُل الذين بُعِثوا من بين النّاس واتّجهوا إليهم، وخلقوا مبادئًا ورؤى وطاقة جديدة في أعماق وِجدان مجتمعاتهم..
وهكذا لم يكُن الأنبياء والرُّسُل من طبقة العُلماء والفلاسفة والرّهبان، ولا من عوام النّاس المُكبّلين بالتقاليد ونتاج الأطر الاجتماعية، وهذا ينفي تمامًا احتكار لقب المثقف للطبقة المتعلمة والحاصلة على الشهادات العليا فقط، فبإمكان شخص غير متعلم يعي قضايا مجتمعه ويحلل مشاكله ويساهم في ارتقائه أن يتصف بصفة المثقف، في حين أن شخصًا يحمل أعلى الشهادات قد لا يستحق هذا اللقب..
وعن مسؤولية المُثَقَف، يقول الدكتور علي شريعتي، وأقتَبِس:
( إن المُثقفون هم نُظراء الرّسُل وليسوا من طائفة العلماء ولا من العوام المُنحطّين فاقدي الوعي، لكن المثقّف (واعي مسؤول) ،وأعظم مسؤولياته وأهدافه منح بني البشر الوديعة الإلهية الكُبرى، أي المعرفة والوعي وذلك لأن الوعي يُبدّل الجماهير الضعيفة الراكدة إلى مرجل بناء في حالة هيجان)
وأقتبِس أيضًا:
(إن مسؤولية المثقف في زمانه هي القيام بالنبوّة في مجتمعه حين لا يكون نبي، ونقل الرسالة إلى الجماهير، ومواصلة النّداء، نداء الوعي والخلاص والإنقاذ في آذان الجماهير الصمّاء الّتي أصيبت بالوقر، وبيان "الاتجاه والسبب" وقيادة الحركة في المجتمع المتوقف، وإضرام نيران جديدة في مجتمعه الرّاكد)
المثقف إذًا، ليس الذي يتفاخر بكميات الكتب، وعدد الرحلات، ولا ذاك الذي يتفاخر بأعلى الشهادات الأكاديمية، بل هو الذي يحقق رسالته في نقل حقيقة مجتمعه إلى وعي الجماهير.. فإن وعت الجماهير أحدثت أمرًا.
المثقف هو الذي لا يترّفع، ويرى سواه من النّاس حقراء لا يستحقون المجالسة والمعاشرة، فأين من هذا همّة المثقف الحقيقي الذي يتطلّع لرؤية مجتمعه محافظ على الهوية مُعتزٌ بها، ومدرك لحركة المياه من حوله، يستطيع التفسير والتفكير والتأمّل.
اليوم يحتاج الأغلبية للعودة، العودة إلى البداية، وتأمل هذا المصطلح "مثقف" وما هو متعلق به من مهمات، فإن راقت له ووافقت هوى في نفسه، سار بهذا الدرب، واستحق النخبوية وشرف التضحية لأجل الجميع، وإلا فليرح النّاس من كلامه المُلَغّز، فالنّاس لم تعُد تحتمل المتصنّعون.
متعلقات