المبادئ الجمالية .. إبراهيم القيسي
المبادئ الجمالية
النقد الأدبي يتكئ على ثنائية الذوق والعلم فالقواعد التجريدية مفتقرة إلى الذوق الجمالي الذي يمهد الطريق للقياس الخاضع للقواعد التجريدية فالناقد العربي في العصور الأدبية القديمة والوسطى يتكئ على حسه الجمالي وذوقه الفني في تذوق النصوص وإصدار الحكم عليها نتيجة الحدس الروحي والسليقة الأدبية المتكئة على السماع المتوارث عبر الزمان والمكان .
وفي العصور الحديثة تطور أسلوب النقد الأدبي وبدأ العلماء يرصدون تلك المبادئ التي يستند إليها علم الجمال والفن من خلال تطبيقات البحث العلمي في مجال علم "الاستاطيقا" الذي أخضع للبحث والتحليل فتجسد في عدة مبادئ يتكئ عليها وتكون منطلقاته نحو التفضيل الجمالي في كل فروع الفنون الجميلة .
من خلال هذه المقدمة ننطلق نحو تلك المبادئ الجمالية التي سوف أوجزها في المصطلحات التالية :
أولا : علم الجمال "الاستاطيقا"
اشتق مصطلح علم الجمال من Aesthetics التي تشير إلى فعل الإدراك وأيضا من كلمة aisthea التي تعني الأشياء القابلة للإدراك وذلك في مقابل الأشياء غير المادية أو المعنوية .
عرفه قاموس أكسفورد بأنه : " المعرفة المستمدة من الحواس " .
وعرفه الفيلسوف الألماني كانت : " العلم المتعلق بالشروط الخاصة بالإدراك الحسي " .
وعرفه القاموس الإنجليزي الجديد على أنه : " فلسفة أو نظرية التذوق أو إدراك الجميل في الطبيعة والفن "
كما جاء في قاموس بستر :
" المجال الذي يتعامل مع وصف الظواهر الفنية والخبرة الجمالية وتفسيرها (19) " .
والجمال عند هيجل " ميدانه الإدراك الحسي إدراكا يستلزم أقيسة عامة مجردة والجمال فكرة عامة خالدة لها وجود المستقل وتتجلى في الأشياء حسيا وهي في ذلك تخالف الحقيقة في ذاتها (20)" .
وعرفه ديدرو : " هو الذي يحتوي في نفسه وخارج نطاق الذات على مايثير في إدراك المرء فكرة العلاقات ... والجميل بالنسبة لي هو الذي يثير هذه الفكرة (21)"
وقد ميز الفيلسوف بيردسلي عام 1958م بين فرعين من علوم الجمال هما الجمال الفلسفي والسيكلوجي . يقول د.شاكر عبدالحميد " ... " ولنظرية بيردسلي أهمية خاصة تؤكد على تلك العلاقات الحميمة بين الجماليات والفروع المعرفية الخاصة بالفلسفة وعلم النفس والفنون والنقد الفني أيضا ومن ثم فهي تطرح وجهة من النظر نتفق معها على أنه علم "بيني" تقوم من خلاله فروع معرفية عدة كل بطريقته ومناهجه ومفاهيمه الخاصة بدراسة تلك المنطقة المشتركة المتعلقة بالخبرة والاستجابة الجمالية (22) " .
أما خصائص الحكم الجمالي عند "كانت" فهي تتجلى في المحاور التالية :
1- من حيث صفته ومصدره كونه حكم صادر عن الذوق يصدره عن رضا لا تدفع إليه منفعة .
2- التعلق به من حيث الكم والعموم فالجميل هو الذي يروق كل الناس دون حاجة إلى أفكار مجردة نستطيع بها تقويمه .
3- من حيث العلاقة أي علاقة وسيلة بالغاية كون الجمال هو الصورة الغائية الموضوعة دون تصور لغاية أخرى من الغايات (23) .
وهناك فريق آخر من أهل الفن يرون الإحساس بالجمال أمر اعتباري شخصي نختلف فيه اختلافا بينا ولا نكاد نصل فيه إلى مقاييس مشتركة ... فالمرء قد يؤثر لونا على آخر لأن هناك ارتباطا وثيقا بين ما يؤثر من ألوان وما صادفه من تجارب ... فقياس الجمال عند هؤلاء يعزى أولا وأخيرا إلى الذوق الشخصي المكتسب من التجارب الشخصية (24).
من التعريفات والنصوص السابقة نعرف قيمة الجمال وأهميته في التلذذ بمشاهدة الطلاوة والأناقة والبهاء والبلاجة وحسن الديباجة في الأدب والشعر والفنون الأخرى المتعلقة بعنصر الجمال في تكوينها الذاتي كالرسم والموسيقى فجمال الأسلوب وطلاوة الديباجة ورقة المفردات
وعذوبة اللفظ وسهولة النطق ورشاقة الصورة وسلامة التركيب وعمق الفكرة وإيجاز العبارة وتراسل الإيحاء كل هذا من عناصر الجمال في النصوص الأدبية ولكل فن من الفنون الأخرى خائصه ومقوماته فلمسة الجمال تعرف من خلال إشراقة النص وقراءته وتذوقه في إطار الأحكام والمقاييس المتخذة في هذا المقام النقدي الباذخ والذي يتطلب روح نقدية تمتلئ بزلال التذوق تهتز بأوتار موسيقية تنعش الروح وتستثير المشاعر أما الروح النقدية البعيدة عن أطر الجمال فغالبا ما تقع في ركام الغبش وتصدر عن احتقان يتفجر من الذات يصدر الأحكام السلبية تحت تأثير الجحود المجحف بحق الجمال في الأدب والشعر وكل الفنون الأخرى .