لم يكن يعلم أبو رماح كما يطلق عليه رفاقه الذين يمتهنون التهريب، أن السحر سينقلب على الساحر، وأنه سيتعرض للتعذيب على أيدي عصابة إفريقية، بعد سنوات من مشاركته في تعذيب العشرات من بني جلدتهم، في مديرية حرض الحدودية بمحافظة حجة بغرض الإبتزاز.
ومن حسن حظه، كما يقول، أن أفراد العصابة الإفريقية الذين احتجزوه،لم يكونوا من ضحاياه السابقين، وإلا كانوا سيسلخون جلده عن لحمه ويعذبونه حتى الموت، لكي يتجرع مرارة ما اقترفت يداه من جرائم مشينة بحقهم، كما يقول.
وخلال السنوات الماضية، تعرض المئات من المهاجرين الافارقة بينهم نساء في مدينة حرض ومناطق حدودية أخرى للتعذيب من قبل عصابات تهريب تقوم باستدراجهم، ومن ثم سجنهم في أحواش كبيرة، وتعذيبهم للضغط على أقاربهم في السعودية أو بلدانهم لارسال مبلغ مالي كبير مقابل الإفراج عنهم.
مؤخراً تحول أولئك الضحايا الى جلادين، وشكلوا عصابة للإتجار بالبشر متخذين من الجبال الواقعة في المساحات المتداخلة حدودياً بين اليمن والسعودية أوكاراً لهم بعد أن حفظوا دروب المنطقة الوعرة عن ظهر قلب بحكم عملهم خلال الأعوام القليلة الماضية في التهريب.
ويتصدر الأفارقة الفئة التي تعمل في تجارة وتهريب الممنوعات بمحافظة صعدة الحدودية شمالي اليمن، وتزايدت أعدادهم مؤخراً بشكل ملحوظ، وباتت أسواق آل ثابت وأم الرقو (مركزي التهريب في صعدة) تعج بالآلاف منهم، حيث يمتهن بعضهم التهريب وآخرون يتم تهريبهم الى السعودية.
تفاصيل قصة أبو رماح العجيبة لاتزال آثارها محفورة على جسده كما يرويها بعد أن حالفه الحظ وخرج قبل نحو شهر من جبل الحبوش، كما يسميه على قيد الحياة، بعد قيام أصدقاءه بدفع مبلغ 10 آلاف سعودي للعصابة الأفريقية كفدية مقابل إخلاء سبيله.
يقول أبورماح الذي رفض الكشف عن إسمه لـ"الموقع بوست": بينما كنت في طريقي من منطقة آل ثابت بمديرية قطابر بمحافظة صعدة الى قرية آل تليد بمحافظة بني مالك السعودية لتهريب القات اعترضني 3 أفارقة يحمل أحدهم سلاحاً رشاشاً واقتادوني بالقوة لمسافة طويلة عبر طريق وعرة حتى وصلنا الى مغارة كبيرة في قمة جبل يتواجد فيها خمسة أفارقة آخرين إضافة الى بعض الأشخاص مقيدين بالحبال.
ويضيف بمرارة: تذكرت لحظتها الأحواش التي كنا نحتجز فيها العشرات من الأفارقة في مديرية حرض ونقوم بتعذيبهم بشتى الوسائل وإجبارهم على الإتصال بأهاليهم في بلدانهم أو في السعودية حتى يقومون بتحويل مبالغ مالية كبيرة مقابل الإفراج عنهم وأيقنت أنني سأذوق من نفس الكأس الذي سقيتهم منه.
ويصف أبو رماح في شهادته لـ"الموقع بوست" تلك المغارة التي قضى فيها نحو أسبوعين بأنها مكان تغيب فيه كل حقوق البشر، ويؤكد أنه كان يتمنى لحظة انقضاء أجله ليتخلص من الإذلال والتعذيب، بعد أن أصبح الموت هناك عادة يومية.
ويكمل حديثه عارضاً آثار التعذيب على جسده: تعرضت لأبشع أنواع التعذيب لدرجة أني كنت أفقد الوعي في اليوم عدة مرات، وكنت أتذكر وأنا أبكي واتوسل اليهم ليتركوني،صرخات الضحايا الذين كنت أشارك في تعذيبهم بلا رحمة ولا شفقة فأيقنت لحظتها أنه انتقام السماء العادل.
ويتابع وهو يستذكر تلك اللحظات العصيبة: ضربوني بالكابلات وانتزعوا أظفاري وقاموا بتقطير البلاستيك المذاب على جسدي، وسكبوا البنزين فوقي وهددوني بالحرق إضافة إلى تهديدي بالإعتداء الجنسي، وعندما كنت أتعرض للإغماء كانوا يتوجهون لتعذيب شخص آخر حتى أستفيق.
ويضيف ودمعة ألم تفر من عينيه: قيدوني بالسلاسل وأجبروني على الاتصال بأسرتي وأصدقائي عبر هاتف محمول خاص بهم لتحويل مبلغ عشرة ألف ريال سعودي مقابل الإفراج عني والا سيكون مصيري الموت المحتوم.
ويتابع بأسى: عندما كنت أتصل بأسرتي وأصدقائي في اليمن والسعودية لأطلب منهم إنقاذ حياتي كانوا يمعنون في تعذيبي وضربي بالكابلات لكي يسمعون صرخاتي. مضيفاً بندم: مثلما كنا نعمل تماماً مع المهاجرين الأفارقة في أحواش التعذيب.
وأكد أبورماح لـ"الموقع بوست" أن أفراد العصابة استمروا في تعذيبه لمدة أسبوعين وبشكل يومي حتى جمع له أصدقائه في السعودية مبلغ 10 ألف ريال سعودي وحولوها باسم شخص حددته العصابة الى صعدة، ثم أطلقوا سراحه في اليوم التالي وأوصلوه الى منطقة قريبة من سوق أم الرقو.
وأشار الى أنه ترك العمل في التهريب بشكل نهائي بعد تلك الحادثة واستقر في منزله في إحدى قرى مديرية حيران المجاورة لحرض، واتجه الى العمل في زراعة الأرض وتربية الأغنام.
وحذر في ختام حديثه،المسافرين عن طريق التهريب الى السعودية إضافة إلى من يعملون في التهريب من المرور بالقرب من جبل الحبوش، واتخاذ طرق أخرى حرصاً على أرواحهم، كما حذر كل انسان من الظلم وعاقبته الوخيمة وغادرنا وهو يردد: "لا تظلمن اذا ما كنت مقتدراً فالظلم آخره يأتيك بالندم".