تراجعت حدة الاحتجاجات العنيفة وأعمال الشغب التي اندلعت ليلة الجمعة - السبت في أكثر من 30 مدينة أميركية، وأدت إلى مقتل اثنين، بعد قيام السلطات باعتقال رجل الشرطة الأبيض الذي تسبب بمقتل الأميركي الأسود جورج فلويد، في مدينة مينيا بوليس في ولاية مينيسوتا، وتوجيه تهمة القتل له وتغريمه بمبلغ 500 ألف دولار. وصباح السبت نشر حاكم الولاية تيم والز، 1700 جندي من الحرس الوطني في المدينة لإعادة الهدوء إليها، وفرض تطبيق قرار منع التجول الذي اتخذ لليلتي الجمعة والسبت، بعدما فشل تنفيذه ليلة الجمعة.
بدا واضحاً أن التصعيد الذي انفجر على شكل موجات من الغضب والاقتحامات التي قام بها متظاهرون غاضبون، ضموا خليطاً واسعاً لم يقتصر على السود، بل شمل مختلف الأطياف العرقية، قد تغذى من الاستقطاب الحاد وانقسام الخطاب السياسي بين الحزبين الرئيسيين. غير أن مراقبين ومعلقين كثراً، حمّلوا الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مسؤولية أكبر في دفع المتظاهرين للنزول إلى شوارع المدن الكبرى، بدلاً من حصر الاحتجاجات ومعالجة المشكلة في نطاقها.
«تغريدات» ترمب على «تويتر»، التي صنفها الموقع «تمجيداً للعنف»، عدَّها البعض أنها صبت الزيت على النار. في حين أن تغريداته السابقة في أحداث مشابهة، عندما كان المتورطون فيها هم من اليمين المتطرف والمتعصبين البيض متساهلة أكثر، لا بل منحهم تخفيفاً عندما ألقى بالمسؤولية عن أعمال العنف، كالتي حصلت قبل أكثر من عامين في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا، على «الطرفين». وسعى ترمب إلى محاولة التخفيف من حدة الانتقادات التي وجهت إلى «تغريداته»، واتصل بعائلة الرجل الأسود جورج فلويد، للتعبير عن استيائه مما حصل إثر مشاهدته شريط الفيديو الذي صور وفاته، واصفاً الحادثة بالدنيئة والمفجعة. وقال ترمب خلال حديث في البيت الأبيض، «أتفهم ألمهم، والعائلة لها الحق في العدالة». وأضاف: «لدينا متظاهرون سلميون، وندعم حقوقهم في التظاهر، ولا يمكننا السماح لموقف مثل ما حدث في مينيا بوليس بالهبوط بنا إلى أبعد من هذا»، واصفاً ما يحدث بأنه حالة من انعدام القانون والفوضى. وأضاف: «عائلة جورج لها الحق في العدالة، وشعب مينيسوتا له الحق في العيش بأمان، والقانون والنظام سيسودان».
من جهته، اتصل المرشح الديمقراطي المفترض جو بايدن، بعائلة فلويد، وقال في مقابلة مع محطة «سي إن إن»، إنه حاول «أن يقدم لهم بعض العزاء». وفي تصريحات أخرى من منزله في ديلاور، دعا بايدن الأميركيين إلى مواجهة الظلم العنصري في الأمة، وقال إن الوقت قد حان «لإلقاء نظرة فاحصة على الحقائق غير المريحة».
من جهته، عد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، أنّ وفاة فلويد يجب ألا تُعد «أمراً عاديّاً». وأضاف أوّل رئيس أسود للولايات المتحدة: «إذا أردنا أن يكبر أولادنا في بلد يكون على مستوى أعظم قيَمه، بإمكاننا، ويجب علينا القيام بما هو أفضل». ونشر أوباما تصريحه على «تويتر»، موضحاً أنّه بحث مع أصدقاء له في الأيام الماضية الفيديو الذي أظهر آخر لحظات فلويد البالغ من العمر 46 عاماً، وهو «يلفظ أنفاسه ووجهه على الأسفلت تحت ركبة شرطي».
كانت مدينة مينيا بوليس قد شهدت ليلة الجمعة المزيد من أعمال العنف، وامتدت لتشمل مدناً كبرى، بينها مدينة أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا، حيث تعرض المبنى الرئيسي لمحطة «سي إن إن» لهجوم من المحتجين الذين رشقوا المبنى بالحجارة والمفرقعات، بعد قيامها ببث شريط مقتل فلويد كاملاً، مما أثار حفيظة المتظاهرين، الذين نددوا بوسائل الإعلام.
وانتقدت عمدة أتلانتا كيشا لانس بوتومز، الديمقراطية، الاعتداء على طاقم «سي إن إن»، وقالت في مؤتمر صحافي «لقد أخزيتم هذه المدينة»، ثم تابعت متوجهة بكلامها للذين هاجموا مركز الشبكة: «بهجومك على المركز، أنت تخزي ذكرى جورج فلويد وكل شخص آخر قُتل في هذا البلد». ولفتت في سياق حديثها إلى جهود وسائل الإعلام في تغطية الاحتجاجات وإيصال المعلومة للعالم، وخصت بالذكر الشبكة. وشهدت مدن نيويورك ودالاس ولوس أنجيلس احتجاجات مماثلة، في حين أجبرت مظاهرة جرت أمام البيت الأبيض في العاصمة الأميركية واشنطن، على إغلاقه لساعات مساء الجمعة. وغرد ترمب واصفاً هذه المظاهرة بأنها أبعد ما تكون عن تكريم فلويد، بل هي عمل منظم لإثارة الشغب، وأضاف: «رجال الحماية السرية تعاملوا معهم بشكل جيد. الليلة أنا أفهم، إنها ليلة أميركا العظيمة في البيت الأبيض».
وتجمع آلاف المحتجين عند مركز باركليز في نيويورك، وألقت الشرطة القبض على عشرات المحتجين في المظاهرة الضخمة التي شهدتها منطقة بروكلين. وفي مدينة ديترويت، انضم المئات إلى «مسيرة ضد وحشية الشرطة» خارج مقر السلامة العامة بالمدينة، ورددوا «لا عدالة لا سلام». واندلعت احتجاجات مماثلة في مدن دنفر وهيوستن. وفي لويزفيل بولاية كنتاكي، دارت اشتباكات في الوقت الذي كان عدد من السكّان يُطالبون بالعدالة لبريونا تايلور وهي امرأة سوداء قتلتها الشرطة داخل شقّتها في مارس (آذار) الماضي.
وكانت معظم المظاهرات التي عمت المدن الأميركية سلمية في البداية. لكن صدامات وعمليات نهب وإحراق للممتلكات، خصوصاً في مدينة منيابوليس، أجبرت قوات الشرطة على استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. وأعلن جاكوب فراي، عمدة مدينة مينيا بوليس فرض حظر تجول ليلي فيها بدءاً من مساء الجمعة. وأعلن المدعي العام لمقاطعة هينيبين في مينيسوتا مايك فريمان، توجيه تهمة القتل ضد الشرطي ديريك تشوفين الذي ظهر في مقطع فيديو لعملية توقيف فلويد، وقد أُعلن قبل ذلك احتجازه. وقال فريمان إن أحد الأدلة الرئيسية في القضية هو شريط الفيديو، مضيفاً أن التحقيق مستمر معه، وقد يحكم عليه بالسجن المؤبد في حالة إدانته، وأن ممثل الادعاء يتوقع أن يوجه اتهامات أيضاً لضباط الشرطة الثلاثة الآخرين. وقالت عائلة فلويد في بيان إنّها تريد أن يتمّ توجيه «تُهمة القتل العمد مع سبق الإصرار للشرطي، نريد أن نرى اعتقال عناصر الشرطة الآخرين المتورّطين في القضيّة». بدورها، قالت كيلي شاوفين، زوجة الشرطي المتهم بقتل فلويد، إنها بصدد طلب الطلاق من زوجها. وفي بيان أصدره محاميها، قالت كيلي إن مقتل فلويد هذا الأسبوع على يد زوجها كان أمراً مدمراً بالنسبة لها. وعبرت كيلي عن تعاطفها التام مع عائلة فلويد، وطلبت في البيان منح والديها وعائلتها الأمان والخصوصية خلال هذه الفترة العصيبة. وبينما يبدو أن جريمة زوجها كانت السبب في طلبها الطلاق، لم تجزم كيلي بشكل واضح إن كان هذا هو السبب، أو إن كانت هناك أسباب أخرى. كما حظي مقطع فيديو يظهر فيه الممثل الأميركي دينزل واشنطن، وهو يقدم كمامات لرجل أسود من المشردين في مدينة لوس أنجليس وعناصر من الشرطة بمشاركات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب الأحداث الجارية.
وشارك لاعب كرة السلة الأميركي، ريكس شابمان، الفيديو عبر حسابه على «تويتر»، حيث ظهر الممثل واشنطن مرتدياً كمامة خلال مخاطبته للرجل واثنين من رجال الشرطة. وقال شابمان في تغريدته إن «دينزل واشنطن رأى حالة فوضى في ساوث هوليوود في لوس أنجليس بين الشرطة ورجل مشرد بائس غير مسلح. فترجل من سيارته وجعل من نفسه حاجزاً بين الرجل والشرطة. وتم اعتقال الرجل بسلام».