قالت صحيفة “نيويورك تايمز” إنه وسط أعظم أزمة تواجه الولايات المتحدة، ينشغل الرئيس دونالد ترامب بتصفية الحسابات، وملاحقة وعزل أي شخص يراه غير موال له.
وجاء في تقرير أعده بيتر باركر: “هل تتذكر محاكمة الرئيس؟ ترامب يتذكر، حتى وسط جائحة قاتلة، فقد كان واضحا يوم السبت أنه يركز نظره على تطهير الحكومة من الذين يعتقد أنهم خانوه في التحقيق الذي قاد إلى محاكمته في مجلس الشيوخ”. وأشار الكاتب إلى أنه في جنح الظلام اتخذ الرئيس القرار يوم الجمعة بعزل مايكل كي أتكنسون، المفتش العام للاستخبارات الذي أصر على نقل شكوى من “مُبلغ” إلى الكونغرس، في عملية تطهير أدت إلى التخلص من شخصيات مهمة في داخل الإدارة بسبب دراما محاكمة الرئيس.
لم يحاول ترامب إخفاء السبب في مؤتمره الصحافي يوم السبت، بأن العزل لم يكن سوى انتقام لما قام به أتكنسون
ولم يحاول ترامب إخفاء السبب في مؤتمره الصحافي يوم السبت، بأن العزل لم يكن سوى انتقام لما قام به أتكنسون من الكشف عن الشكوى للكونغرس حسبما يتطلب القانون. وقال ترامب: “رأيت أنه قام بعمل رهيب، رهيب جدا” و”قام بأخذ تقرير مزيف ونقله إلى الكونغرس”. وزاد من هذا عندما قال: “كان الرجل عارا على الاستخبارات، عارا كاملا”.
وقالت الصحيفة إن انشغال ترامب بملاحقة خصومه، يأتي في وقت يركز فيه معظم الأمريكيين على مواجهة فيروس كورونا والذي قتل حتى الآن آلاف الأمريكيين وأغلق أجزاء كبيرة من البلد.
ويشير إصرار الرئيس على ملاحقة من اعتقد بخيانتهم على عدم ثقته بالحكومة، التي يديرها في وقت يعتمد فيه على مسؤولين صحيين وعمال طوارئ من أصحاب الخبرات، الذين يقودونه ويرشدونه في أخطر المراحل من التاريخ الأمريكي. وقال كريس ويبل مؤلف كتاب عن سي آي إيه “سادة الجاسوسية”: “كانت مذبحة ليلة لجمعة، وقرارا انتقاميا بدرجة عالية بدون أي هدف سوى معاقبة المفتش العام لأنه قام بعمله”.
وتساءل: “ماذا بعد؟ الكشف عن المُخبر وتقديمه للمحاكمة؟ ربما. والرسالة للمجتمع الأمني هي: لا تتجرأوا على الحديث للرئيس عن أمر لا يريد سماعه”.
وأكد ترامب في مؤتمره يوم السبت على عزل الكابتن بريت إبي كروزير من البحرية بعدما أرسل رسالة ناشد فيها المساعدة لحاملة الطائرات “يو أس أس تيودور روزفلت” في مواجهة انتشار فيروس كورونا بين بحارة السفينة. وقال: “كان عليه عدم الحديث في رسالته بالطريقة التي تحدث بها” و”رأيت أن ما فعله كان رهيبا”.
ويتم تعيين المفتشين العامين من الرئيس وبمصادقة من الكونغرس ويتمتعون بدرجة عالية من الاستقلالية لممارسة عملهم في تحديد سوء الإدارة والغش وتضارب المصالح دون خوف من العقاب.
ومع ذلك اختلفت إدارته مع عدد من المفتشين العامين فيما لا يزال الرئيس لم يملأ عددا من المناصب الشاغرة. وعندما وقع ترامب على حزمة المساعدة لمواجهة فيروس كورونا بقيمة تريليوني دولار أكد أنه لن يسمح للمفتش العام بالتدخل في طريقة إنفاقها.
وفي ليلة الجمعة، التي عزل فيها أتكنسون، عين ترامب بريان دي ميلر في منصب المفتش العام للمساعدات، مما يطرح أسئلة حول تبعية المفتش له وهو يقوم بالتدقيق في عملية تطبيق أكبر حزمة مساعدة في تاريخ الولايات المتحدة.
وقال السناتور الديمقراطي تشاك تشومر إن تعيين ميلر تجاهل الدور الذي يجب على المفتش العام القيام به. وقال إن “تعيين عضو من فريق الرئيس هو الشخص الخطأ المختار لهذا المنصب”. وأصدر مكتب تشومر بيانا وضح فيه أن الرسالة التي أرسلها أتكنسون إلى الكونغرس كانت ردا على قلق من الأعضاء حول ما كشفه المخبر: “كما تعرفون كانت الستة أشهر الماضية بمثابة المحرقة لمن يريدون الكشف عن الحقيقة ومن يعملون معهم لحمايتهم من الانتقام أو التهديد بالانتقام لو حاولوا الكشف عن الأخطاء”. وجاء في البيان أن “الوعود بالحماية لا معنى لها لو تمت شيطنة المخبرين وتهديدهم بشكل عام وتسخيفهم وأكثر من هذا التخلي عنهم”. وتمضي الصحيفة بالقول إن عزل أتكنسون هو آخر مثال عن متابعة الرئيس أجندته الشخصية في وقت تواجه فيه الأمة الوباء. وألغى قوانين التلوث واستخدم الفيروس لتبرير سيطرة متشددة على الحدود مع المكسيك. وفرض قواعد جديدة لتجاوز الاتحادات الفدرالية.
عزل أتكنسون هو آخر مثال عن متابعة الرئيس أجندته الشخصية في وقت تواجه فيه الأمة الوباء
وقرر ترامب التحرك ضد المفتش العام بعد شهرين من تصويت مجلس الشيوخ وبناء على الخطوط الحزبية ضد عزله في الاتهامات الموجهة إليه باستخدام سلطته ضد منافس سياسي وإجبار أوكرانيا على التحقيق به، أي جوزيف بايدن. ولم ينس ترامب المحاكمة في الوقت الذي يحاول فيه إدارة وباء فيروس كورونا.
وفي مقابلة مع فوكس نيوز، حمل ترامب رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي مسؤولية محاكمته بدلا من العمل على مواجهة كورونا: “كل ما فعلته هو التركيز على المحاكمة، ولم تركز على أي شيء له علاقة بالوباء، ولم تركز، وركزت على المحاكمة وخسرت وبدت سخيفة”. واستخدم الجمهوريون محاكمة الرئيس كذريعة لتحميل الديمقراطيين مسؤولية فشل الدولة في التحضير لمواجهة الوباء “فقد حرف انتباه الحكومة لأن كل شيء وكل يوم كان عن المحاكمة” كما قال زعيم الغالبية الجمهورية السناتور ميتش ماكونيل.
وخلافا لمزاعم الجمهوريين فقد أنكر ترامب أن تكون المحاكمة قد حرفت انتباهه، وقال: “هل حرفت انتباهي؟ أعتقد أنني سأحصل على علامة ممتاز وأكثر بشأن الطريقة التي تعاملت فيها مع المحاكمة الكاذبة”، أوكي؟ كانت زيفا. وزاد قائلا: “لم أكن لأعمل أحسن مما عملت لو لم أحاكم، وربما كان هذا مديحا لي. ولكنني لم أكن لأعمل بطريقة مختلفة أو تحركت بطريقة أسرع”. وكان يتحدث لواشنطن بوست حيث أراد القول إن الكونغرس هو الذي انشغل بالمحاكمة وليس هو.
وانتهت المحاكمة في 5 شباط/فبراير وبعد أيام من إعلان ترامب عن وقف الرحلات من الصين حيث بدأ الوباء. وظل الرئيس أثناء المحاكمة وبعد انتهائها يقلل من أهمية الفيروس وصوره بأنه لا يعدو أن يكون إنفلونزا عادية و”سيختفي مثل المعجزة”. ولم يخاطب الشعب الأمريكي إلا في 11 آذار/مارس من مكتبه البيضاوي متحدثا عن خطورة الفيروس وأعلن في 13 آذار/مارس عن الطوارئ الوطنية.
وبدأ بعد المحاكمة بعزل الشخصيات التي نظر إليها كأعداء وضمت القائمة العقيد ألكسندر فيندمان، المساعد في الأمن القومي الذي قدم شهادة أمام مجلس النواب بعد استدعائه. ثم عزل توأمه وهو يفغيني فيندمان الذي لا علاقة له بالمحاكمة إلا كونه من العائلة. ثم جاء السفير غوردون دي سوندلاند الذي قدم شهادة في المحاكمة. واستدعي القائم بأعمال السفير في أوكرانيا ويليام تيلور قبل انتهاء خدماته. وعزل جون رود، مساعد وزير الدفاع، وجوزيف ماغوير، القائم بأعمال مدير الأمن القومي، وإيلين ماكسر، المسؤولة في وزارة الدفاع، وجيسي كي لين الذي حاكم صديق ترامب روجر ستون.
وعزل رئيس طاقم البيت الأبيض ميك مولفاني عندما اعترف في مؤتمر صحافي أن الدعم العسكري لأوكرانيا علق من أجل ممارسة الضغط على حكومة البلد للتحقيق. وكان أتكنسون قد تلقى من سي آي إيه شكوى تقدم بها مبلغ في آب/أغسطس. واستنتج أنه وبناء على القانون يجب أن يقدم تقريرا للكونغرس. وقال ترامب يوم السبت إن أتكنسون كان عليه عدم إرسال الشكوى لأنها مزيفة، مع أن الجزء الأكبر من الشهادة تم تأكيده من شهادات شهود وأداة جمعها فريق تحقيق مجلس النواب.
وكان توقيت عزل أتكنسون يوم الجمعة، وهو وقت تختاره الإدارة حالة أرادت إخفاء أخبار لا تريد الذيوع، ولكن تم الكشف عنه في رسالة للكونغرس. وقال الجنرال مايكل هايدن، مدير سي آي إيه في عهد جورج دبليو بوش: “هذا أمر مروع، لقد قام أتكنسون بالعمل الصحيح”.