يمكننا القول، إذا استعرنا هذه الجملة من القاموس "الكينيزي" (نسبة إلى الاقتصادي جون ماينارد-كينز) ، إننا سنكتشف كلنا قريبا العواقب المترتبة على سياسة بوريس جونسون، فمع حصوله عل أغلبية برلمانية، تمنحه الصلاحية الكاملة، لتنفيذ بنود برنامج حزب المحافظين الانتخابي، ماذا تخبئ الخمس سنوات وأكثر لنا من عواقب على اقتصادنا وعلى مستوى عيشنا؟
أعلن ساجد جاويد بجرأة قبل أسابيع قليلة أن فوائد بريكست "واضحة بذاتها". وإذا كان الأمر كذلك، فإنها غير قابلة للقياس أيضا.
وأول شيء يمكن قوله هو أننا لا نعرف حقا ما هي، لذلك فأنا أفترض أن ما ذكره وزير المالية لا يساعدنا في معرفة هذه الفوائد، لكن هناك الكثير من الأمور المعروفة ذات النتائج غير المعروفة، مثلما يقول دونالد رامسفيلد، فنحن لا نعرف على سبيل المثال ما ستتضمنه بنود اتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الأوروبي، ولن تكون هناك أي اتفاقية على طاولة المفاوضات بين الطرفين حتى نهاية عام 2020.
نحن لا نعرف المحتوى الحقيقي لأي اتفاقات تجارية مع الولايات المتحدة، واليابان، والصين، والهند، وأستراليا، وكندا، وكوريا الجنوبية أو أي من القوى الاقتصادية الرئيسة، ونحن لا نعرف ما تتضمنه إعادة النظر الشاملة في الإنفاق، فتأجيل الكثير (من المشاريع) سيعني بالنسبة للموارد المالية العامة، ضرائب وانفاقا عموميا. نحن لا نعرف إلى أين سيتجه الجنيه الإسترليني، ومن ثم كيف ستكون حركة التضخم؛ وماذا سيكون تأثير إنهاء التنقل الحر للعمالة مع الاتحاد الأروبي، وأي شيء يحدث للهجرة بشكل أوسع سيكون له تأثير على سوق العمالة، وبصيغة أخرى، التشغيل والأجور (لأن كل ما يمكننا افتراضه هو أنه سيكون هناك نظام قائم على النقاط، الذي لا يعني أي شيء)؛ وليس لنا أي فكرة عن مدى تطور الاقتصاد العالمي بشكل عام.
ثم هناك الصدمات المجهولة مثل أزمة البنوك، وانهيار أسواق المال، أو صعود أسعار البترول المفاجئ، أو حدثا ما غير متوقع.
مع ذلك، فنحن قادرون على التأكد وبشكل منطقي من حدوث أمور قليلة. فبالنسبة إلى بلد يعتمد على التجارة الخارجية لما يقرب من ثلث احتياجاته المعيشية، وحيث نصف تجارته قائم مع الاتحاد الأوروبي، ونحن نعرف أن أي نوع من بريكست سيقنّن التجارة مقارنةً باحتياز عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، ومن ثم التصديرات، ولذلك، فإن ذلك سيكون تأثيره سيئا على الاقتصاد، وهذا يعني التأثير على الأجور والخدمات العامة ومستويات العيش.
فحسب تقييم صريح لميشيل بارنييه، كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي، تم تسريبه مؤخرا، سيجد الاتحاد الأوروبي أن من المستحيل تقريبا إبرام اتفاق تجاري شامل مع المملكة المتحدة قبل نهاية يوم 31 ديسمبر 2020، وأن الوزراء البريطانيين كانوا حريصين على عدم إقصاء خيار عدم الاتفاق. ففي حالة وقوع أسوأ سيناريو ممكن، كانت وزارة المالية قد حسبت قبل وصول جونسون إلى الحكم، تكاليف بريكست من دون اتفاق بما يقارب من 7.6 في المائة من "الناتج القومي الإجمالي" للمملكة المتحدة عل أساس تراكمي على الأمد الطويل، ويمكن أن تكون التكاليف أكثر من ذلك.
لترجمة ذلك إلى مصطلحات شخصية مفهومة، فكروا فقط ما يعنيه تخفيض 10 في المائة من مدخولكم الصافي، وتخفيض 10 في المائة من تكاليف الخدمات العامة.
على المدى القصير، نحن نستطيع أن ننظر إلى زيادة جوهرية في البطالة (على الرغم من أنها الآن على مستوى منخفض جدا)، وأجور منخفضة واسثمار اقل. إذ سيُلغى جزء كبير من الاستثمار "المكبوت" الذي من المفترض أنه ينتظر "إطلاق قدرات بريطانيا المضمرة". كذلك، ستعاني تلك القطاعات الرئيسة التي تعتمد على أسواق وسلاسل إمداد الاتحاد الأوروبي بشكل قاسٍ أكثر من غيرها، كالسيارات والطيران والأدوية والزراعة وخدمات القطاع المالي في أسواق المال اللندنية.
على الصعيد الجغرافي، ستتضرر أكثر من غيرها تلك المناطق التي صوّتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي مثل شمال شرقي الميدلاندز الإنجليزية وغربها التي تعتمد على الصناعة.
أما بالنسبة إلى آيرلندا الشمالية (التي صوّتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي) فإنها قد تحصل على بعض الامتيازات من موقعها الشاذ الناجم عن بقائها ضمن مجال الاتحاد الجمركي الخاص بالاتحاد الأوروبي أو بصيغة أخرى، السوق الأوروبية المشتركة.
إجمالا، فإن التقلص المستمر في استثمار الأعمال إشكالي بصورة خاصة، لأن ما يترتب عنه هو نمو أبطأ للإنتاجية مستقبلا، وهذا ينجم عنه في المقابل نمو اقتصادي أبطأ، وأجور وتمويلات أقل لدفع تكاليف تحسين الخدمات العامة العالية مثل الرعاية الاجتماعية.
وعلى العكس من ذلك، سيكون هناك تأثير إيجابي محتمل على اتفاقات تجارية جديدة- لكنها ستكون مستوياتها متواضعة جدا، لأن حجم التجارة البريطانية مع أكثر البلدان حاليا، بالمقارنة مع دول غيرها متواضع أيضا.
تستطيع المملكة المتحدة، على سبيل المثال، إلغاء القيود – التعريفات والحصص وأكثر المعايير- على مستوردات الطعام، التي ستسمح للمستهلكين بتقليص نفقاتهم عليها، خصوصا العائلات الفقيرة، لكن هل سيكون تأثير تغييرات كهذه على الزراعة البريطانية مقبولا؟
مرة أخرى، سيعتمد الأمر على شروط الاتفاقات التجارية، لكن من طبيعة الأشياء، أن التأثيرات المفيدة لن تكون سريعة التحقق، بينما سيكون للانسحاب المفاجئ والفوضوي من سوق الاتحاد الأوروبي المشتركة والاتحاد الجمركي، خصوصا بلا اتفاق، تأثير سلبي مباشر.
يمكن القول إن آلية التكيف المعتادة لاقتصاد مفتوح في وضع كهذا تتحقق عبر أسعار العملات – قيمة الجنيه أمام العملات الأخر. تذكروا أيضا أن المملكة المتحدة تعاني أيضا من عجز تجاري كبير يصل إلى حوالي 6 في المائة من "الناتج القومي الإجمالي".
لذلك، يبدو أن تخفيضا حادا لقيمة الجنيه لا يمكن تفاديه، لجعل صادرات المملكة المتحدة أكثر تنافسية. غير أن ذلك، سيعني أسعارا أعلى للسلع المستوردة، ومن الممكن أن يؤول إلى المطالبة بأجور أعلى (والمطالبة برفع الحد الأدنى للأجور)، وهذ سيحفز على دوامة من التضخم – سيكون رد فعل بنك إنجلترا على هذه الاتجاهات مهما.
وإذا ما قرر محافظوه رفع معدلات الفائدة لخنق التضخم فإن هذا الاجراء سينجح في تحقيق ذلك، لكن في المقابل، سيضرب سوق الإسكان، وقيم العقارات، والاستثمارات وإنفاق المستهلكين.
لذلك، فإن كسادا اقتصاديا طويلا ومؤلما إمكانية حقيقية بفضل بريكست أيا كان نوعه.
حين يكون الاقتصاد راكدا أو في طور التقلص يتقلص المال المتوافر سواء لتطوير خدمات عامة طموحة أو تقليص للضرائب، فمن الممكن حماية الإنفاق على البنى التحتية لكن لا محالة أن يتم تقليص الإنفاق العام اليومي بشكل كبير- على سبيل المثال، رواتب المدرّسين. كذلك يمكن أن تتقلص أكثر الأموال المخصصة للائتمانات العامة، المكرسة حسبما جاء في برنامج حزب المحافظين الانتخابي لـ "أولئك الأكثر ضعفا" بينما ستتعرض قطاعات مثل المعونات الدولية، والتعليم وخدمات البلديات المحلية بل حتى "هيئة الصحة الوطنية" (أن أتش أس) هي الأخرى إلى تقليص النفقات عليها.
أما قائمة الرابحين من ظروف كهذه فستضم أفرادا وشركات يقوم الجزء الأكبر من مداخيلهم أو ممتلكاتهم على العملات الأجنبية، وهؤلاء الأكثر قدرة على إصلاح عملياتهم لتكون أكثر تنافسية على المستوى العالمي ضمن بيئة تجارية معادية- ما زالت الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وأطراف أخرى قائمة حتى الآن.
لذلك فإن العواقب الاقتصادية الناجمة عن فوز بوريس جونسون ستكون غير سارة لأغلبية الشعب البريطاني. والسؤال هو فقط إلى أي درجة، سيكون هذا التوقع على أرض الواقع.
© The Independent