تابع الرئيس الأميركي دونالد ترمب هجومه المركز على رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي. وقال ترمب، في سلسلة من التغريدات: «نانسي بيلوسي المجنونة يجب أن تمضي وقتاً أطول في مدينتها المتدهورة، ووقتاً أقل في إجراءات العزل المزيفة».
ومع استمرار بيلوسي في تجميد إجراءات العزل، يتخوف الديمقراطيون من أن تنعكس تبرئة مجلس الشيوخ المتوقعة لترمب إيجاباً على حظوظه في الفوز بالانتخابات المقبلة. ويجمع الديمقراطيون على نقطة واحدة: إن تبرئة مجلس الشيوخ ستعزز من ثقة ترمب بنفسه، وسيسعى إلى الانتقام من هؤلاء الذين سعوا إلى عزله بعد تبرئته.
وبما أن إدانة الرئيس تحتاج إلى أغلبية 67 صوتاً من أصل مائة في مجلس الشيوخ، لن يتمكن الديمقراطيون من الحصول على الأصوات اللازمة لإدانة الرئيس، مهما حاولوا. فهم يتمتعون بـ47 صوتاً فقط، مقابل 53 للجمهوريين، لهذا فقد أعرب عدد منهم عن قلقهم من تزايد النزعات الانتقامية للرئيس بعد تبرئته.
وتقول النائبة الديمقراطية براميلا جايبال: «بالطبع، نحن قلقون من رد فعله، فهو يستغل منصبه، ويعرقل عملنا بشكل مستمر؛ إنه يشعر أنه يستطيع أن يقوم بما يشاء. وفي حال برأه مجلس الشيوخ، فهو سيشعر بأنه فوق القانون».
تصريح يوافق عليه السيناتور الديمقراطي ديك دربن: «نحن نعرف الرئيس جيداً؛ إن لم نتمكن من الحصول على 67 صوتاً لإدانته في المجلس، فسوف يدعي أن إجراءات عزله هي حملة مطاردة ساحرات، وأن المجلس برأه».
أما السيناتور الديمقراطي تيم كاين، فقال: «أنا قلق من تداعيات التبرئة، لكني أعتقد أن هذا الرئيس يشعر بأنه فوق القانون مسبقاً».
وقد عكست هذه التصريحات شعور الديمقراطيين بالغلبة على أمرهم. ويبدو أن تجميد بيلوسي لإجراءات العزل هو الورقة الأخيرة التي يملكونها لفرض كلمتهم قبل الاستسلام لمشيئة الجمهوريين في مجلس الشيوخ. وترجح بعض المصادر في الكونغرس أن تكون خطوة بيلوسي محاولة أخيرة يائسة لتأجيل ما هو مؤكد، أي تبرئة الرئيس من الاتهامات التي وجّهها إليه مجلس النواب. كما تعكس الخطوة تخوفاً ديمقراطياً من احتمال استغلال الجمهوريين لمحاكمة مجلس الشيوخ في حملاتهم الانتخابية، من خلال التركيز على ضعف قضية الديمقراطيين في إجراءات عزل الرئيس.
ويختصر السيناتور كريس كونز المخاوف الديمقراطية، إذ أعرب عن قلقه الشديد من تصرفات ترمب المحتملة بعد تبرئة مجلس الشيوخ له قبل الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتحدث كونز، في مقابلة مع شبكة «إن بي سي» الأميركية، قائلاً: «إذا برأه مجلس الشيوخ، ورفض الجمهوريون في المجلس توبيخه من خلال إجراءات العزل، فسوف يطلق الرئيس العنان لتصرفاته، ولن تكون هناك أي قيود عليها».
وعلى ما يبدو، فإن ترمب اقتنع بدعوات زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل لإجراء محاكمة سريعة في المجلس. وغرد في أكثر من مناسبة، قائلاً: «لا يجب هدر مزيد من الوقت على إجراءات العزل المزيفة، يجب إنهاء مطاردة الساحرات فوراً من خلال محاكمة مجلس الشيوخ». ويسعى مكونيل إلى حشد الدعم الجمهوري لعقد محاكمة يستمع فيها المجلس لممثلين عن مجلس النواب، وفريق الدفاع عن البيت الأبيض من دون أي شهود، وسوف يسمح مكونيل لأعضاء المجلس بطرح أسئلة مكتوبة، من خلال كبير قضاة المحكمة العليا جون روبرتس الذي سيترأس جلسات المحاكمة. بعد ذلك، ينتقل المجلس للتصويت على بندي الاتهامات بحق الرئيس.
وسيحاول مكونيل عقد جلسات المحاكمة في شهر يناير (كانون الثاني)، إلا أن بيلوسي لم تفصح حتى الساعة عن نيتها الإفراج عن ملف العزل قبل تحقيق المطالب الديمقراطية باستدعاء شهود. ويراهن الجمهوريون على أن ترضخ بيلوسي للأمر الواقع، وتسلمهم الملف، خاصة أن الرئيس الأميركي دعا إلى استدعاء نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للاستماع لإفادته، وهو أمر سيحاول الديمقراطيون تجنبه خلال السباق الانتخابي للرئاسة الأميركية.
وكان بايدن قد انتقد هذه الدعوات، وقال إن إجراءات العزل تتعلق بتصرفات ترمب، وإنه لا يريد تشتيت الانتباه عن هذه التصرفات من خلال الإدلاء بإفادته. وأضاف بايدن أنه سيمثل أمام مجلس الشيوخ في حال استدعائه، لكنه استبعد هذا الموضوع.
هذا ولا يزال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر مصراً على موقفه الداعي باستدعاء كل من مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، وكبير موظفي البيت الأبيض ميك مولفاني، للإدلاء بإفادتيهما خلال جلسات المحاكمة. وقال شومر للصحافيين: «إن لم نحصل على كل الوقائع ونعرضها على الأميركيين، فسوف تكون أميركا في خطر لأن المحاكمة لن تكون حقيقية، وسوف يؤدي هذا إلى تشجيع الرئيس على الاستمرار بتصرفاته».
ورغم أن التصريحات الديمقراطية تظهر اعتراف الديمقراطيين المبطن بتبرئة ترمب في نهاية المطاف، فإنهم يعولون على أن تؤثر الأدلة التي طرحوها خلال إجراءات العزل على رأي الناخب الأميركي، وأن يؤدي ذلك بالتالي إلى خسارة ترمب في صناديق الاقتراع. ويقول السيناتور الديمقراطي كريس مورفي: «أعتقد أنه من المهم أن نظهر للأميركيين والعالم أن هناك معايير أخلاقية في بلادنا. قد لا يلتزم الرئيس والجمهوريون بهذه المعايير، لكن هذه الإجراءات تظهر أن هناك نوعاً من المحاسبة الأخلاقية».
هذا ولن تتضح صورة المراحل المقبلة للعزل قبل السابع من شهر يناير (كانون الثاني)، عندما يعود المشرعون من عطلة الأعياد، مع توقعات البعض أن تتزامن جلسات المحاكمة مع إدلاء الرئيس الأميركي لخطاب حال الاتحاد أمام الكونغرس في الرابع من فبراير (شباط) المقبل.