فهناك ثأر تاريخى بين الجماعة الحوثية وبين الرئيس الأسبق صالح، حروب ست خاضها الطرفان، وكانت من تجلياتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والنازحين والمشردين.
فجماعة الحوثى وبرغم تحالفها مع صالح، الذى يحسب له تمكين الجماعة من العاصمة صنعاء ومن ثم السلطة إبان الانقلاب، لم تر فى حليفها إلا قاتلا لزعيم الجماعة الحوثية حسين بدر الدين الحوثى عام 2004، ولعل طريقة الاحتفاء بمقتله كثأر للسيد حسين شقيق زعيم الجماعة حاليا، عبد الملك بدر الدين الحوثى.
وفضلا عن الخلاف الشخصى، هناك تصادم وتقاطع أيديولوجى وفكرى وسياسى ما بين صالح وأتباعه والحوثى وأنصاره، فكلاهما على طرفى نقيض، فالأول وأيا كانت حساباته السياسية خاطئة يبقى محسوبا على الثورة والجمهورية بينما الجماعة الحوثية منطلقها العقائدى سلالى كهنوتى طائفى .
وهذان العاملان الثأر والأيديولوجيا، كانا ولا بد أن يقوضا شراكة الضرورة بين الطرفين.
وانتفاضة صنعاء أعدها تأخرت وقتا، وهى بدرجة رئيسية رفضا للواقع المعيشى والحياتى والميليشياتى والمجتمعى، وأظن مقتل الرئيس الأسبق، وبتلك الطريقة المستفزة من شأنه إعادة التاريخ إلى ما بعد ثورة 26 سبتمبر 1962،الفارق أن معركة الحاضر مسنودة شعبيا وعربيا وخليجيا، وعلى عكس معركة الأمس التى ظلت ثمانية أعوام نظرا لاختلاف الظروف الموضوعية والذاتية والإقليمية.
وبقتل ﺍﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ الحوثية الانقلابية للرئيس الأسبق على عبدالله صالح، الاثنين الماضى اعتقد أن ﺍﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ وضعت ورسمت بفعلها سيناريو المنتهى القريب.
ومن الآن فصاعدا ستكون معركة التحرير للعاصمة صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، هى معركة مصير بين مختلف الشرائح والفئات اليمنية وبين جماعة انقلابية كهنوتية سلالية.
فالخاسر الأكبر من قتل الرئيس الأسبق، هو الجماعة الحوثية الحليف الرئيس لصالح، فبعد ثلاث سنوات من التحالف الذى أمد الجماعة بكل وسائل التمكين والسيطرة، من سلاح وتمويل وأتباع وأعلام، ها هى الواقعة المأساوية تجلى ذاك الغطاء السياسى والشعبى عن الجماعة الموالية لإيران فكرا وعقيدة وتمويلا وغاية.
الآن فقط، يمكن القول إن المعركة لم تعد سياسية، وإنما هى عسكرية وبين طرفين لا غير، طرف السلطة الشرعية ممثلة بالرئيس الشرعى عبد ربه منصور هادى، وبين جماعة انقلابية مارقة هدفها إحالة اليمن إلى بؤرة نزاع مستديمة فى خاصرة الخليج والعرب عموما، وعلى منوال ما فعله حزب الله فى لبنان.
وعندما نقول إن المعركة صارت بين غالبية اليمنيين وجماعة الحوثيين؛ فلأننا ندرك ما حصلت عليه الجماعة بتحالفها مع صالح خلال الفترة المنصرمة.
فيكفى الإشارة هنا إلى الانقسام الخطير الذى سببه تحالف صالح، وأثر كثيرا فى تأخر الحسم العسكرى، تعافت منه البلاد وعلى جميع المستويات التنظيمية والشعبية والقبلية والقيادية، ما يجعل المواجهة اليوم بين سلطة واحدة وجيش وطنى واحد وتنظيم حزبى واحد وبين جماعة انقلبت على كامل الدولة اليمنية واستحقاقاتها المستقبلية وعلى ثورتها وحتى جمهوريتها المنقلب عليها من جماعة ثيوقراطية لطالما حاربت النظام الجمهورى.
فما هو معلوم أن المؤتمر الشعبى العام الذى رأسه صالح ومنذ تأسيسه يوم 24 أغسطس 1982 تعرض لانقسام حاد وعميق بسبب ثورة الشباب 2011 وما بقى منه انقسم إثر تحالف صالح والجماعة الحوثية بعيد انقلاب 21 سبتمبر 2004.
نعم، لقد أدركت الجماعة الحوثية خطر انسلاخ وفض الشراكة بينها وبين صالح وأتباعه، لكنها وبتعاطيها الخاطئ والمتهور مع إعلان صالح السبت الماضى، لم تدرك فداحة ردة فعلها تلك، ما جعلها الآن فى معركة جمعية مع سلطة وجيش وطنى وشعب وتحالف عربى.
فالجماعة من وجهة نظرى اقترفت خطاءً فادحا، فعلى خلافنا السياسى مع صالح وأتباعه، إلا أن دعوته الأخيرة وطريقة قتله ومظاهر الاحتفاء بجثته بكل تأكيد خلقت تعاطفا مجتمعيا وفى حاضنة قبلية.
هذا إذا ما استثنينا أن الرجل حكم البلاد نحو أربعة عقود وقدر له نسج شبكة علاقات واسعة، ما يجعلنا نؤكد أن المعركة الحقيقية مع اﻟﻤﻴﻠﻴﺸﻴﺎﺕ الانقلابية بدأت الآن ومن لحظة مقتل أو اغتيال صالح.
وزير حقوق الانسان