في بلد كاليمن التي تعيش حرب مستمرة منذ ثمان سنوات، لا يرى الناس السلام الا من منظور وقف الحرب - وهم محقون في ذلك-، لكن القاتل الصامت الذي سنعاني منه وندمر مستقبل الأجيال القادمة، ما لم يتم التنبه له، هي الحرب الموازية ضد البيئة، التي ستشكل بؤرة صراعات ممتدة لا يمكن التنبؤ بمسارها.
ولعل غياب الوعي بمفهوم السلام البيئي سواء على مستوى النخب وصناع القرار او المواطنين العاديين في اليمن، يعد عائق أساسي امام التعامل بجدية مع هذا الموضوع، وأتذكر ما واجهته من عدم اكتراث عندما اطلقت ائتلاف الشباب اليمني للسلام عام 2018 ، عند حديثي مع الشباب حول أهمية تركيزنا على السلام البيئي كواحد من ابرز الموضوعات التي تهم حاضرنا ومستقبلنا كشباب، وما لم نتصدى لهذا الموضوع فإننا سندفع ثمنا كبيرا لذلك.
ان خسائر الحروب يتم حصرها بعدد القتلى والجرحى والدمار في الممتلكات العامة والخاصة والبنى التحتية، لكن تبقى البيئة، في كثير من الأحيان، ضحية غير معلنة للحروب، فقد تتلوث الأراضي وآبار المياه وتحرق المحاصيل وتقتل الحيوانات لتحقيق مكاسب عسكرية، لكن لا يتم وضع ذلك في الاعتبار.
تذكرت ذلك حينما قرأت عن استضافة السويد للاحتفالات الخاصة بيوم البيئة العالمي لعام 2022 بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تحت شعار ’’لا نملك سوى أرض واحدة‘‘، كما ان هذا العام يصادف مرور 50 عاماً على مؤتمر الأمم المتحدة الأول المعني بالبيئة البشرية - مؤتمر ستوكهولم عام 1972 الذي نتج عنه إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة وتحديد 5 يونيو من كل عام كيوم عالمي للبيئة.
كما حددت الأمم المتحدة 6 نوفمبر من كل عام بوصفه اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، وتم تأسيس جائزة سنوية بارزة من أجل السلام البيئي.
هذا التاريخ الطويل من الاهتمام العالمي بالبيئة منذ نصف قرن، يجعلنا في اليمن نتساءل اين نحن من ذلك؟ ، خاصة ونحن في تصنيف الدول الأكثر تأثرا بالتغير المناخي، وشهدنا ذلك بتكرار الأعاصير والفيضانات وما نجم عنها من خسائر بشرية ومادية، وكذا نضوب المياه في عدة مناطق والتدمير البيئي الممنهج جراء الحرب واستنزاف الموارد الطبيعية بشكل عبثي، ورمي النفايات في البحر وطغيان مصادر التلوث للهواء وغيرها.. هي جرائم بيئية لا تقل بشاعة عن آثار الحرب الدائرة.
والجرائم المرتكبة بحق البيئة برزت تداعياته – بخلاف الحرب- على المستوى الصحي للمواطنين وساهمت في تنامي اعداد الفقراء وظهور بؤر مجاعة وغيرها، وهو جرس إنذار خطير يستوجب التفاعل والتعامل معه بتحرك مختلف لترسيخ ثقافة السلام البيئي في اليمن.
وقد لفت نظري، ان شعار مؤتمر ستوكهولم الذي عقد عام 1972م’’لا نملك سوى أرض واحدة‘‘، والساري حتى الان بعد مرور نصف قرن من الزمان، يحمل دلالات بالغة الأهمية والمعاني، فاذا لم نهتم بهذه الأرض فإننا نرتكب جريمة بحق أنفسنا واجيالنا القادمة، لانه ليس لدينا سوى ارض واحدة.
ومن هذا المنطلق فان إيجاد عمل نوعي للسلام البيئي في اليمن سيكون هو محط اهتمامي وتركيزي مع الشباب، والتحرك وفق آليات لا تقتصر على نشر الوعي بالسلام البيئي في المجتمع اليمني فقط، بل اجراء دراسات ومسوحات ميدانية وتحديد التدخلات المطلوبة لتحقيق السلام البيئي والحد من الآثار الكارثية للتغير المناخي على اليمن، ونعول في ذلك على الاستفادة من التجارب الناجحة المتقدمة للدول والمنظمات العاملة في هذا الجانب، والعمل بالتنسيق معها في تأسيس ونشر السلام البيئي بمفهومه الواسع في اليمن.
وكما يقال "لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام".