لقد حمل تصنيف الحركة الحوثية ارهابية معان ودلالات وأبعاد متعددة، وأول معنى لتصنيفها حركة ارهابية أنها لم تعد كما قدمت نفسها وشايعها في الأمر اطراف وقوى دولية واقليمية عدة؛ اذ أن تقديمها كحركة وتنظيم لمحاربة الإرهاب قد سقطت، وأن ثمة متغيرات محلية "=وطنية" وإقليمية ودولية قد جرت، وهبت رياح بم لا تشتهي سفن الحوثية ابتداء، وصولا إلى من رآها كذلك وقاسمها النظرة تلك وعمل على تعضيدها؛ فالإرهاب الذي تقتفيه الحوثية جعلها تتفوق على كل تلكم الحركات والتنظيمات الموسومة بالإرهاب، ولا أدل من أن الحوثية قد جعلت جيلا كاملا تحت مقصلة الإعدام-سواء اؤلئك الذين يتبعونها أو ممن يناووئنها على حد سواء- ناهيك عن أن اقتفاء الحوثية لسياسة "تمسكن حتى تتمكن" قد اماطت اللثام عن جوهر تشكليتها الإرهابية ايدلوجية وموقفا وسلوكا، كما فضحت قائمة وبنك اهدافها كل من حاول شد أزرها ودافع عنها وقدم الدعم والمساندة اللوجستية والاستخبارية والدبلوماسية والأمنية لها، وأخلت باتفاقاتها المعلنة والمخفية معها حيال ذلك الأمر الذي سبب احراجا لدى الممسكين بزمام هذا الأمر الخطر.
فممارسات الحوثية واجراءتها اضحت تتقاطع مع كل من تواطئوا معها،او تلك التي تبتغي محاولة تغييرها من خلال تشجيعها وأسقطت رهانهم الخاسر عليها، وذهبت بإخلاصها ومودتها وولائها إلى حيث تنتمي ومنه جاءت ،وفي طياته تكونت،وإليه تسعى،إيران أعني وليس إلى غيرها من القوى تنشد إليه وعليها تستند.
هذا البعد الأساسي كمتغير خفي وأصيل في علاقاتها المتعددة تلك لا تكشف سذاجة السياسات المتبعة ازائها-فحسب- بل وتكشف خطر تلكم السياسات النابعة للقوى الدولية من حرصها على الحوثية واتاحة المجال لاجرامها كوكيل قد باءت بالفشل خصوصا وجرائم الحوثية قد هزت ضمير ووجدان العالم بم فيها تلكم القوى الدولية التي مدت يد المساعدة لها وفرضتها على اليمن والمستقبل والعلاقات الدولية ووحدة المصالح المتبادلة وأصبحت السياسات تلك خالقة لمشكلات لا حصر لها جيواستراتيجيا، وأضرت بوحدة المصالح والعلاقات الدولية القارة، وخلقت حالة من اللاتوازن واللاتماثل على المستويات كافة، وطنيا وإقليميا ودوليا،الأمر الذي ينسحب على امكانية خلقها واقعا محليا وإقليميا ودوليا جد ملتبس، ويثير الذعر،ويعقد من مسألة السياسات الدولية المتبعة في الوطن العربي والمنطقة الإقليمية ككل، ويجعل من تلكم الاستراتيجيات المتبعة خاطئة بالضرورة، وغير فاعلة لوحدة المستقبل ونوع العلاقات تلك.
ولا أدل على ذلك من نزوع الولايات المتحدة الأمريكية وخروجها من ذلك النسق المغلق الذي اعتمرته بالنسبة للحوثية إلى تصنيفها كمنظمة ارهابية؛ حيث اثبتت الاحداث لاجدوى تلكم السياسة، خصوصا والحوثية قد رفعت الكلفة في تلكم العلاقات وجعلتها تدخل في مرحلة شديدة الحساسية وابداء الضيق من قبل الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، ورفعت منسوب المخاطر، وعززت من حضور هذا الرأي العام الدولي والضاغط على تلكم الحكومات من جراء المهادنة العلنية والمفتوحة لجرائم الحوثية وافعالها الإرهابية، ووصل الحال إلى تسببها بأكبر واعظم ازمة انسانية في العالم،الأمر الذي يضاعف من الكلفة الباهظة لثمن تلكم العلاقات المشئومة، وأن استمرارها يعني جعل السياسات والإستراتيجيات المتخذة ازاء ازمة عالمية كهذه، مع ما تنطوي عليه من تحديات ومخاطر تهدد الأمن والسلم الدوليين مجرد صدى للقوة الممسكة بتلابيب الحوثية، واخراجها من دائرة التأثير والفعل والفاعلية؛حيث ستنقل إيران إلى دائرة الفعل الجيوسياسي الخطر والمؤثر في تلكم السياسات وحدود العلاقات المرسومة والأهداف المتوخاة حيالها.
فأمريكا التي تحتل موقع القلب في تركيبة النظام الدولي والمؤثر الأول والمباشر فيه،صارت تعترف بمحصلة تلكم العلاقة، والتي جعلت محصلتها صفر إن لم تكن بالسالب، وبتصنيفها للحوثية كحركة ارهاب،فإنها تستعيد المكانة والدور وصانعة سياسات،سيما وقد أثبتت العلاقات تلك مع إيران وربيبتها الحوثية ومختلف التشكيلات والتنظيمات التي تأتمر بها وأنشأتها إلى التسبب في زيادة وتيرة المخاطر واشتداد أوراها والتهديدات القائمة والمحتملة والضارة بأمن ومصالح واستقرار وسلامة الإقليم والنظام الدولي، اضافة إلى اشتداد العنف وتنامي جماعات الإرهاب والتطرف وتمددها أفقيا ودوليا، علاوة على أن محاولات جعل الحوثية وكيلا ولاعبا محليا في مكافحة الإرهاب خاطئة ومدمرة، وساهمت في تبيئة الإرهاب وجماعات التطرف تلك، وجعلت مسحة منازلة الإرهاب من قبل الحوثية سياسة بلهاء خصوصا وإرهاب القاعدة في اليمن لا يختلف عن الحوثية سوى في الدرجة وهاهي الحوثية تتخطاه،واصبحت نسخة من داعش وإن كانت السياسات الدولية واستراتيجيات مكافحة الإرهاب مهادنة للحوثية ومعاضدة لها بعكس داعش والقاعدة، ما يعني أن سياسة الكيل بمكيالين مختلفين لم تعد تجدي نفعا، خصوصا وأن الإنقسام الذي تسترعيه الحوثية على مستوى وحدة الدولة والشعب والسياسات الدولية والإقليمية تسهم في نمو الإرهاب وانتعاشه لا العكس، وأن محاولة خلق انقسام عبر تسمية أي قوة سياسية وحزبية، بغرض خلق اجواء ملائمة لنفاذ وتغلغل تلكم السياسات والإستراتيجيات الخاصة في الجسم اليمني والوطن العربي ككل، عبر دعم جماعات وتنظيمات وميليشيا إيرانية الصنع كمثل الذي يطلق النار على قدمه!
فهل ستستمر أمريكا بذلك التصنيف أم سيعاد النظر فيه وافراغه من محتواه كأقل تقدير؟ وهل يعني ذلك التصنيف اختبارا اخيرا لمحاولات جلب الحوثية إلى طاولة السلام؟أم سيذهب إلى تقدير الخطأ الإستراتيجي الذي يجعل حل المشكل اليمني سياسي لا عسكري؟سيما والقرار الدولي الأهم في تلكم المسألة يجعل من الحوثية اساسا ومنطلقا لتنفيذه!؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الورقة القادمة