الشيخ الرباش والقرآن .. مسيرة حياة
لطالما كنا نحفظ منذ طفولتنا ونردد الحديث " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " كقيمة يتم تلقيننا إياها من قبل مُعلمينا حتى نفهم معنى هذه الخيرة لهذا القرآن كتاب الانعتاق من رقبة العبودية للمخلوق وانفرادها للخالق وحده ، دستور خالد للبشرية جمعا " كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ " ، كتاب جاء يخاطب الثقلين حتى ان الجن خشعت قلوبهم لسماعه فقالو : " إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا" .. هذا القرآن يدعونا نبينا إلى أن نجعل قراءته تعهُدا حيث قال : " تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلُّتاً من الإبل في عقلها " بل وشكى من كثرة هجرة " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا" ، ولقد ظهر الاهتمام بهذا الكتاب كعلم له قواعده وأصوله كي يُقُرأ كما أُنزل على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، وبدأ التسابق على حفظه والاهتمام به لما ورد من الأحاديث المرغبة بذلك ولو لم يكن الا قوله عليه الصلاة والسلام " إِنَّ اللَّه يرفَعُ بِهذَا الكتاب أَقواماً ويضَعُ بِهِ آخَرين " لكفى ؛ ذلك أن جُلَّ ما يسعى إليه الإنسان هو الرفعة في الدنيا والآخرة .
هذا الحديث ما هو الا مقدمة لنعرف أحد حملة هذا الكتاب حفظاً وتلاوة وتفسيرا ، من خير من أنجبت اليمن ، ابن " أبين " الشيخ الحافظ الدكتور مختار الخضر الرباش الذي نذر وقته للاهتمام بكتاب الله فشحذ الهمة وشد العزيمة ونال ما تمناه .
دعونا نقف واياكم مع هذه القامة اليمنية الكبيرة التي لم تنل حقها اعلاميا وهو ما دفعني للكتابة مع معرفتي بأن الشيخ ـ تواضعا ـ لا يحب الظهور مفتخرا بإنجازاته العلمية والمعرفية في ما يتعلق بحفظه للقرآن وتفسيره وتجويده ، لكن هذا لا يمنعنا من أن نرشد الناس على كواكب القرآن ونجومها اليمنيين الذين لمعوا ومن ضمنهم الشيخ الرباش الذي حصد جائزة ونالها بجدارة وسط منافسة شديدة وهو ما سنذكره تباعاً .
كان الشيخ الحافظ الرباش من أوائل من أتمو حفظ القرآن الكريم بالقرآت العشر في مدينة عدن ، وبالإضافة إلى عمله كموجه لمدارس تحفيظ القرآن في محافظات عدن وأبين ولحج التابعة للمؤسسة الخيرية لهائل سعيد أنعم وشركاه ، فإن له إسهامات عديدة في مجال تعليم القرآن وقراءاته وتجويده منها : تقديم البرنامج الرمضاني القرآني " فليتنافس المتنافسون " على قناة عدن الفضائية .
يمتلك الشيخ الرباش رصيداً كبيراً في مجال تحكيم المسابقات القرآنية فقد شارك فيها لما يقارب عشرين سنة ، وهو ما دفع وزارة الأوقاف والإرشاد أن تختاره في العام 2011 م كشيخ لقراء عدن ورئيس لجنة التحكيم لمسابقات القرآن فيها ، كما أنه حالياً عضو مجلس أمناء رابطة قراء اليمن العالمية.
لم يتوقف فضيلة الشيخ عند مرحلة دراسية وحيدة مكتفياً بالإجازات التي تحصل عليها من عددٍ من شيوخ القرآن ؛ بل شق عباب الدراسة الاكاديمية ونال درجة الماجستير بامتياز في ظهيرة السبت 18 يناير 2014 م من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ،عن رسالته الموسومة ( كتاب بغية القارئ المجيد للإمام المقرئ عبدالباقي العدني، المتوفى سنة 1027 هـ ، تحقيق ودراسة من أول القرآن حتى آخره ) وقد كان المشرف على رسالته شيخ قراء مصر ورئيس لجنة تصحيح المصاحف بالأزهر والأستاذ بجامعة الأزهر الأستاذ الدكتور / احمد بن عيسى المعصراوي ، وهو بهذا يجمع بين حفظ القرآن وبين فهمه من خلال تفسير النص القرآني ، كما أنه يدرس حالياً كباحث بمرحلة الدكتوراه شريعة إسلامية _ تخصص علوم قرآن في الكلية ذاتها .
نافس الشيخ الحافظ مختار وبقوة ممثلا عن اليمن من بين 27 مشارك من 27 دولة عربية وأوربية وأفريقية وأسيوية ، في الدورة القرآنية لمهارات تحكيم المسابقات القرآنية العالمية، والتي أقامها كبار علماء القراءات وعلوم القران بالمغرب والسعودية والتي تحتوي على مهارات التحكيم وعلوم القرآن وفنونه كالتجويد والقراءات والوقف والابتداء وعد آي القرآن ورسم المصحف الشريف ، وحصد شيخنا على المركز الأول بدرجة 100/100 لينال المكان الذي يستحقه والذي هو أهلاً له .
هذا غيض من فيض عن سيرة فضيلة الشيخ مختار الرباش وعطاءه المعرفي والعلمي التي أتت بعض من ثمارها وبرزت وما خفي ستكشفه الأيام ليكون إضافة إلى الكواكب العلمية التي أضاءت اليمن بإنجازاتها العلمية والمعرفية .