كان المجلس الانتقالي الجنوبي يهيئ نفسه لتسلم حكم الجنوب، ظاناً أن جملة الظروف القسرية وغير الموضوعية التي اخترعتها الإمارات العربية المتحدة هناك كافية لتنصيبه على عرش دولة جديدة.
والمنطقي أن يكون بين النتائج السريعة المترتبة على معركة شبوة، انقشاع الوهم الذي نما في رؤوس قادة الانتقالي ومن ورائهم حكام الإمارات.
توهم الانتقالي أن الجنوب الذي لملمت أجزاءه الجبهة القومية بشروط ستينيات القرن الماضي وظروفها مازال قطعة جاهزة وكتلة واحدة مصمتة، تنتظر رجاله الظافرين العائدين من معارك تنقية الجغرافيا الجنوبية ليعتلوا سدة الحكم.
وتلبست عقول حكام الإمارات أحلام إمبراطورية ساخرة، فتوهموا أن طفرة الثروة التي يتمرغون في عوائدها تمنحهم القدرة على إعادة رسم خرائط البلدان والوصاية عليها تقليداً لسلوك الإمبراطوريات الاستعمارية.
قطعت الإمارات والنزعات السلطوية لدى قادة الانتقالي، الطريق على تفاعلات القضية الجنوبية وإفرازاتها، فبدلاً من أن تصب حواراتها ورؤى فصائلها في إطار تمثيلي اختياري ذي طابع جماهيري وسياسي، جرى ابتداع صنيعة أمنية عسكرية تدعى المجلس الانتقالي، ليكون وكيل أبوظبي الخليص في جنوب البلاد البلاد ويحتكر تمثيل القضية.
ولقد تجلت طبيعة المجلس السلطوية والتسلطية في عجزه عن إنتاج خطاب سياسي لائق بالقضية الجنوبية ونزوعه الدائم منذ إشهاره إلى الحلول العنيفة والمغامرات العسكرية التي يراها سبيلاً وحيداً لإحياء دولة ما قبل 1990 في الجنوب.
بهذه المغامرات، تورط الانتقالي في عسكرة القضية الجنوبية، ولولا أن معركة شبوة كبحت اندفاعه لكان في طريقه لنقلها من خانة قوة القضية بسبب طبيعتها العادلة ومشروعيتها السياسية القانونية إلى خانة تغدو فيها مجرد قضية قوة.
خالد عبد الهادي