لا شك أن اليمن بلد حضاري له ثقافته وخصوصيته المتوارثة من قرون طويلة ، ولكل منطقة تراثها وفولكلورها الخاص من فن وثقافة متنوعة، ولكن ما يجعلنا نقف الآن في خضم التقدم الهائل للتكنولوجيا والاكتشافات العلمية هو ما تقدمه هذه البقعة من الأرض التي تسمى اليمن، للأجيال القادمة وما تؤسسه للمستقبل المنشود
للأسف نكاد نرى بعين الحسرة إلى ذلك الجمود الذي أصاب كل مظاهر الحياة في بلد مثل اليمن الذي لم يعد يقدم ما يجب أن يقدمه في سباق التنافس العالمي . وهي حالة ازدادت سوءا مع الحرب الدائرة.
فالمتابع للمهرجانات التي تقام في البلدان العربية والأجنبية ومشاركة اليمنيين في بعضها أو القليل منها، لا يجد ما يقدمه اليمن للعالم من جديد، بل أصبح يجتر موروثه فقط، ليستعرضه في تلك المحافل، فالملابس والأزياء الشعبية وأنواع الأطعمة والرقصات الشعبية والمحلية، هو ما يشارك به في تلك المهرجانات أو الاحتفالات
لا ضير إن كانت هذه الثقافة الموروثة ضمن ثقافة جديدة مستحدثة يتباهى بها أمام العالم، ولكن حين نتوقف في انتاجنا وثقافتنا لقرون سابقة نكون قد أعلنا موتنا، فلا جديد تحت الشمس، بل إن الشمس لم تصل بعد إلينا، لتكشف لنا مدى عقمنا وجمودنا .
فنحن حين نغادر أرضنا لا نلتفت لثقافات الشعوب الأخرى و لا إلى التطور الذي وصلت إليه، أو للنظام الاجتماعي الذي يستحق أن نتوقف أمامه لنعلم أننا لم نصل إلى ذلك العقد الاجتماعي والنظام القوي لدولة مؤسسات يندمج فيه الكل كواحد مع حفظ الذات والتفرد والاختلاف والإبداع لكل مواطن. . وما نشاهده في القنوات الفضائية العربية عند استضافة بعض اليمنيين ليتحدثوا ع اليمن وثقافتها ورصيدها الحضاري، لا نرى أمامنا سوى عرضا للموروث والفلكلور الشعبي. ناسين أو متناسين أو جاهلين لفترات تاريخية مرت بها اليمن قديما وحديثا أسهمت نوعا ما في خلق بيئة متحضرة متعلمة وخصوصا حين بدأت في الانفتاح على العالم الجديد في تلك الفترة التي أعقبت الثورة اليمنية والتي وئدت وانهال عليها التراب، فمن الأحرى أن نبرز مضامين تلك الفترة الذهبية وإن كانت لا تتعدى السنوات بعد الثورة شمالا وجنوبا.
وما يمر به اليمن الآن من حرب وأحداث مزقته وشردت شعبه في أصقاع الأرض جعلت من اليمني لا يفكر في غربته هذه إلا كيف يحافظ على هذه المظاهر الثقافية التي يستعرضها في كل مناسبة خارج بلاده ليشعر أنه على قيد الحياة وينسج الجو اليمني حوله ويقعد بعيد عن مشاهدة ثقافة البلد الجديد الذي لجأ إليه .
ظنا منه أنه يحافظ على هويته التي سرقت منه في أرضه. بينما الصحيح هو أن يندمج مع الثقافة الجديدة ليفهمها ويخلق عالما جديدا هجينا تتطور من خلاله أدوا اليمني الذي سيعود يوما إلى أرضه بفكر وثقافة منفتحة قد يستفيد منها في بناء وطن جديد مع الاحتفاظ برمزية الموروث الثقافي القديم.