أيام صعبة مرت علينا جميعا في تعز، خلال اجواء الحرب وكواحد من مواطني هذه المدينة وابنائها فقد اصابتني كثير من الامور بالإحباط واليأس ،من ذلك مثلاً انقطاع راتب والدي وهو المرتب الذي نعيش عليه، كانت فترة شديدة الصعوبة طويلة وثقيلة، سنتان تقريباً من الجفاف الشامل، اتذكر أني قررت خلالها التوقف عن حضور محاضراتي في الجامعة، حين بدأت تفريغ جدول المحاضرات من مربعات المواد وتقسيمها حسب الاهمية والصعوبة كي استثني اكبر قدر ممكن بهدف تخفيف عبئ المصاريف على والدي، وهو اجراء لاشك انه مؤلم لوالدي وأنا معا، الا أن الظروف، قد تجبرك أحيانا على ضرورة تهيئة نفسك لما هو اصعب وأمر مثل ترك حضور محاضراتك الجامعية ،وترك كل شيء من حولك والجلوس في البيت، كما فعل كثيرون ممن يعملون في القطاعين الخاص والعام
تسببت هذه الحرب التي فرضتها مليشيات الانقلاب على تعز في تعطيل عجلة العمل فترك الكثيرون أعمالهم بعدما اغلقت المؤسسات ابوابها الى حين أمل .
لسنتين على التوالي توقفت الحياة تقريبا في هذه المحافظة والمدينة على وجه التحديد وذهب الجميع الى نوم عميييق طويييل في انتظار فجر جديد.
باختصار شديد يمكن القول أن جميع الموظفين في القطاعين العام والخاص تجرعوا مرارات ثقيلة طوال سنتين عجاف
كان والدي يسألني دائما، عن سبب غيابي عن المحاضرات، وكنت أظهر كسلي، وعدم اهتمامي مخافة أن يفتح معي بابا للنقاش، لكني حاولت اقناعه بأنني سأواصل مذاكرتي في البيت، ومن ثم حضور الاختبارات.
لم أكن الوحيد من أبناء جيلي في هذه المدينة من اتخذ هذا القرار، فقد كان واضحا خلو طواريد الجامعة من الطلاب تقريبا خلال تلك الفترة هكذا دون أي تنسيق مسبق الكل عاش ذات المعاناة الكل توصل الى ضرورة اتخاذ ذات القرار .. لقد كان الأمر اجباريا ولا خيار آخر أمامنا في تلك الفترة.
شيء آخر حدث أيضاً دون تنسيق أو سابق انذار.. حيث اتجه الكثير من الشباب وطلاب المدارس والجامعات الى حمل السلاح والانضمام للمقاومة وهو رد فعل طبيعي لكن غير الطبيعي كان تعدد الفصائل وتعدد الوجهات واتساع دائرة المجهول على حساب المعلوم في كثير من الحالات فظهرت العصابات التي استغلت غياب الدولة وانهيار مؤسساتها وتعددت التناقضات الصغرى الداخلية لتحجب التناقض الكبير والاساس المتمثل في الحرب ضد الانقلاب والانقلابيين ..لقد تحولت الصراعات والمواجهات نحو الداخل لتبدا مرحلة قاسية من تفكيك النسيج الاجتماعي وضرب السكينة العامة في العمق داخل وخارج المدينة في ظل استمرار توسع دوائر الاستقطاب في ساحة حرب مفتوحة.
كانت الأشكال الجديدة والأسماء الجديدة أيضاً تذهب بنا صوب الغربة والاغتراب عنا وفينا معا فلم نعد نشبهنا كما نحن من قبل او في الاصل من الصورة.
مطلع العام ٢٠١٨م، كنا وصلنا الى درجة أعلى من الشكوى والتذمر المستمر، بالتوازي مع مشاهداتنا اليومية لبلد يزداد سوءاً وسلوكا يتجه بنا صوب قانون الغاب ..كانت المدينة مجرد مربعات للموت ليس اكثر..
عشية وصول المحافظ الجديد لمحافظة تعز الدكتور أمين احمد محمود، كانت تعز اشبه بغابة او متاهة وكان الياس والاحباط بلغ بنا مبلغا صعباً.
وصل الدكتور امين محمود الى مقر عمله في مدينة تعز، يوم الذكرى السابعة لثورة الحادي عشر من فبراير ومع وصوله بدأت عجلة التغيير في السير حثيثا.
بدأ المحافظ الجديد عمله من قلب المدينة فكان لذلك أثراً باديا على الناس وحين بدأ التعامل مع أكثر الملفات تعقيدا "المربعات المغلقة- استعادة مقار المؤسسات – ترتيب الملف الامني وتنشيط الاجهزة الأمنية بدأ المواطن ينفس اكسجين الدولة الذي ظل غائبا عنه لسنوات
خلال عام واحد فقط شهدت تعز بقيادة هذا الرجل انجازات حقيقية ملموسة واستعدت انا وامثالي من الطلاب حضورنا محاضراتنا الجامعية واستعاد المواطن الكثير من خدمات الدولة ..الدولة التي بدأت تفرض حضورها بشكل ظاهر سرعان ما اكتسب ثقة المواطن ..
بعد عام على تعيين هذا الرجل محافظا لتعز اكتشفنا كم ان الحل لكل هذه الملفات المعقدة كان بسيطا للغاية ..لقد كانت تعز تحتاج وجود الدكتور امين أحمد محمود على راس سلطتها المحلية.