هناك خطأ شائع بين مفهومي الدولة والحكومة..فالدولة.. كيان سياسي يكون ضمن نطاق إقليمي محدد يؤسسه هيكل ذو اختصاص سيادي يأتي بآليات إجرائية محكمة مترابطة ومتكاملة من المؤسسات الدائمة.
الحكومة.. الإدارة السياسية التي تقوم بتنظيم انفاق الثروات وتوفير الخدمات الأساسية للأفراد المقيمين ضمن النطاق الجغرافي تحت سيطرتها، أي هي الوسيلة أو الآلية التي تؤدي من خلالها الدولة سلطتها.
الدولة كيان عام (غير مشخصن) ذو ديمومة وهي ضرورة ملحة تتمثل بفاعلية المؤسسات وإجراءاتها المتقنة، كشكل وهيكلة مهمة تطور حضوره عبر التاريخ كممارسة السيادة. كما عبرت عن ذلك نظرية العقد الاجتماعي التي ترى أن أفراد المجتمع اجمعوا على قيام الدولة من خلال عقد اتفاقات بين الأفراد والحاكمين، حيث يتقبل الشعب حكم الدولة مقابل تلبيتها حاجات الناس الأمنية وتنسيق علاقاتهم مع بعض البعض.
فالمؤسسة هي الصورة الفعلية للدولة وأساسها المتين الذي ترتكز عليها في بسط سيادتها ونفوذها على المجتمع المحدد سياسياً لفرض سلطتها والسيطرة عليه من خلال وضع دستورها الذي هو القاعدة الأساسية لتحديد شكلها وسن قوانين وتشريعات عمل الحكومات ومؤسساتها وتحديد مهامها وصلاحياتها. فالدولة بدستورها ومؤسساتها وقوانينها هي النظام الحديث الذي يمثل الاتجاه المدني للشعوب وتفتح لهم أفاق رحبة للتطور والتقدم.
أما الحكومة فهي جزء من الدولة، أي هي النظام الذي تسير عليه مؤسسات الدولة وتكون ذات فترة محدودة الزمن. وهذه التي يمكن أن توجه لها انتقادات تترجم عبر صور عدة كإضرابات أو مسيرات أو مظاهرات أو وقفات احتجاجية أو عبر رأي صحفي معارض أو وجهات نظر إعلامية ، وكلها تمس أداء الحكومة المعينة أو شكل النظام القائم. فالحكومات تتغير عبر تعيينات أو انتخابات ونظام الحكم يمكن أن يقوّم مساره أو يتغير أو يسقط عن طريق ثورات واحتجاجات.
من المعروف في بلدنا أن المؤسسات هي فقط كشكل ومسمى، لكن العمل المؤسسي يغيب كجوهر وممارسة، لذلك ينعدم وجود الإنجازات الكبيرة التي دائماً ما تأتي نتيجة توفر مجموعة عناصر ضرورية تنساق عبر تداخل جهود تكاملية لفريق مهني متنوع المجالات وبمختلف الاختصاصات بالسعي الحريص لإنجاح العمل المؤكل إليهم.
هذا الغياب المؤسسي هو ما أظهر الدولة بالضعف الحالي، حيث استغلت القوى التقليدية من قبائل وعسكر وغيرهم ذلك الضعف لبسط سيطرتها ونفوذها على البلاد.
أما القبيلة أو النظام العسكري فهي أنظمة تأسست قبل قيام الدولة بمئات السنين.. حين كانت المجتمعات زراعية، حيث كان قيامها في أزمنة سحيقة من التاريخ، نتيجة ضرورة فرضتها الظروف في ذاك الزمن، كإطار يقوم بتنظيم الأمور والحماية والآمان لمجموعة أفراد تربطهم صلة القرابة والجوار.
بعد تقدم الزمن وتطور الأحوال بقيام الثورة الصناعية وزيادة السكان وظهور مهن جديدة وابتكار أساليب حديثة في الانتاج والصناعة والذي أدى الى وجود مجتمعات أعقد من السابق، كان لا بد من إحلال نظام بدل النظام القبلي الذي لم يعد يفي بالغرض المطلوب، نظام يكون قويا ومتماسكا قائم على مؤسسات متخصصة في كل مجالات الحياة تحددها أنظمة وقوانين يتفق عليها جميع مكونات المجتمع كنظام حكم، وهو ما بات يشكل اليوم نظاما دوليا متعارفا عليه.
فإذا أردنا اقامة دولة مؤسسات، بنظام دستوري وقوانين يتفق عليها الجميع، فعلينا إنهاء الأنظمة القبلية والعسكرية نهائياً كأنظمة حكم، كونها انظمة ماقبل الدولة أي انظمة عصر متخلف بائد ، وبقاؤه هو باختصار شديد رفض لقيام الدولة ايا كان شكلها.
فالقبيلة مسار يتعارض مع نظام الدولة، وإذا أردنا قيام دولة لا بد من إلغاء النظام القبلي بشكل كامل، على أن ينضوي هؤلاء القبائل تحت سلطة الدولة ويحتكموا لنظامها كمواطنين من ضمن الجميع لهم حقوق وعليهم واجبات.
بعدما سببت الحرب انهيارا شاملا لمفهوم الدولة وكيانها ومؤسساتها في اليمن الامر الذي تسبب في العودة الى ماقبل الدولة ومعه ظهرت ملامح التسلط والتبجح والعنجهية والعمق القبلي والحشد العسكري، كملامح لمرحلة ماقبل الدولة وهو الامر الذي حاول البعض الباسه مسميات ترويجية تحاول تقديمه كدولة وحكومة ومؤسسات لكن كل ذلك انتهى إلى فشل ذريع ، تسبب في زيادة حدة النزاعات والمآسي التي تتناثرت قتامتها بالجملة على سهول وهضاب البلاد الأمر جعل من حضور الدولة حاجة ملحة وضرورة اولى لإيجاد حلول ناجعة للمشكلات المتراكمة والحفاظ على الأمن والاستقرار
في العام 2018 شهدت الساحة اليمنية تحركاً ملحوظاً في تفعيل مثمر لمؤسسات الدولة ومنظومة إجراءاتها الحازمة في عدد من المحافظات اليمنية تحت سيطرة الشرعية ولا سيما في محافظة تعز التي كان لها دور كبير في تشكل مفهوم الدولة التي بدأت تكتسب احتراماً وتقديراً ككيان ضروري حاضر في ذهنية المجتمع.
عانت القيادة الجديدة في هذه المحافظة الكثير من العوائق وما تزال بسبب مرور وقت طويل تمكنت خلاله اساليب ماقبل الدولة من جعل نفسها سلطة امر واقع ، غير أن هذه المشكلة المعقدة بدأت بالتفكك خلال العام الجاري 2018
في الـ 24 من ديسمبر 2017 اصدر الرئيس هادي قرارا جمهوريا بتعيين محافظ جديد لمحافظة تعز وكان هذا القرار بداية التحول الفعلي نحو الدولة في هذه المحافظة
وجود قائد جاد وحازم وصاحب مشروع ورؤية واضحة الاهداف ينتمي للتكنوقراط على راس السلطة المحلية مثل عملا انقاذيا لهذه المحافظة التي باتت اشبه بالكانتونات والتي كادت ايضا أن تتحول نحو قانون الغاب بسبب تراكمات الافعال المنفلتة خلال ثلاث سنوات من الحرب
بدأت القيادة الجديدة مشوارها من استعادة المدينة واخراجها من قوالب الكانتونات الموزعة بحسب نفوذ النافذين الى مدينة مفتوحة لكافة المواطنين ، لتنطلق بعدها نحو استعادة هيكل الدولة من ايدي النافذين، ومن ثم عملت هذه القيادة على تفعيل هذا الهيكل المتمثل في مؤسسات الدولة ، فكانت تعز الجديدة التي بدأ الناس معها ممارسة حقهم في التنفس بعد خنق حناجرهم واحلامهم طوال سنوات ثلاث وليبدأ المواطن استعادة كيانه وحقوقه الخدمية والوظيفية والحياتية في آن معا
وشيئا فشيئا بدا ان مشروع الدولة بدأ بالتماسك والمضي قدما بخطى ثابتة ما جعل المسؤولين والمتنفذين ومراكز القوى يدركون بأن الوقوف في وجه الدولة أمر غير ذي جدوى وأن مضيهم في دربهم الوعر، لن يقودهم الى صوب العزلة ونبذ المجتمع فقرر بعضهم على مضض التماشي مع الوضع الجديد وقرر بعض آخر افساح الطريق لكيان الدولة كي يتربع على فضاء المحافظة المنكوبة وبدأت الدولة تفعيل آلياتها التنفيذية لضمان حقوق أفرادها ومنحهم الأمن والأمان والتطلعات لمستقبل أفضل.